ماذا تعلم؟ قال: (اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أَرْبَعِ مَسَائِل)، (أَنَّهُ) الضمير هنا ماذا يُسمَّى؟ ضمير الشأن، (اعْلَمْ رَحِمَكَ) أن الحال والشأن (يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أَرْبَعِ مَسَائِل)، (أَنَّهُ يَجِبُ) أن الحال والشأن إذًا الضمير هذا ضمير الشأن والحال والقصة. وله مبحث طويل عند النحاة.
(يَجِبُ عَلَيْنَا) يجب هذا فعل مضارع مأخوذ من الوجوب، وحد الوجوب
هو مشتق من وَجَبَ يَجِبُ وُجُوبًا ووَجْبَةً، إذًا لا بد له من معنى في اللغة، ولا بد من معرفة اصطلاح أهل العلم في هذا اللفظ، لأنه إذا قيل: مسائل أربعة تجب حينئذٍ لا بد أن نقول: ما معنى الوجوب.
فالواجب في اللغة: الساقط واللازم، والثابت، وَجَبَ يَجِبُ وَجْبَةً سقط، وقال في المصباح: وَجَبَ الحَقُّ والبَيْعُ يَجِبُ وُجُوبًا ووَجْبَةً لزم وثبت.
إذ الواجب يأتي بمعنى الثابت، «أسألك موجبات رحمتك». يعني الكلمات المثبتة للرحمة، {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] بمعنى سقطت، هذا معنى الواجب في اللغة.
أما في الاصطلاح: فهو ما طلب الشارع فعله طلبًا جازمًا. وكل ما طلب الشارع - يعني الله عز وجل أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - فعله على جهة الإيجاب طلبًا جازمًا - احترازًا عن الندب - فحينئذٍ نقول: هذا واجب بحيث لا يُجَوِّز الشرع له الترك. لأن هذا من ضوابط أنه جازم أو ليس بجازم، لأننا نقول: أن ما طلب الشارع فعله طلبًا إما أن يكون جازمًا وهو الواجب، وإما أن يكون غيرَ جازم وهو الندب.
ما الذي يُفَرِّقُ لنا بين هذا وذاك؟ نقول: إن رَتَّبَ الشارع العقوبة على الترك فحينئذٍ يكون هذا الطلب جازمًا، وإن لم يرتب العقوبة على الترك فنقول: هذا الطلب غير جازم وهو الندب، لا بد أن يَعِييَ طالب العلم الفرق بين الواجب، والندب، والكراهة، والتحريم، والإباحة. بل نص بعض أهل العلم أن من العلم الواجب العيني تعلم الأحكام الخمسة.
وَالحُكْمُ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَمَا ... أُبِيْحَ وَالمَكْرُوهُ مَعْ مَا حَرُمَا
هذه خمسة أحكام تكليفية يجب على طالب العلم أن يعرف حقيقتها من جهة الحدِّ، ومن جهة ما يترتب عليها من علم أو عمل.
إذًا ما طلب الشارع فعله طلبًا جازمًا نقول: هذا هو الواجب.
ما الذي يجب؟ قال: (تَعَلُّمُ أَرْبَعِ مَسَائِل). تعلُّم يعني تحصيل تفَعُّل، التفَعُّل قد يأتي لتحصيل الشيء شيئًا فشيئًا، فالذي يجب هنا متعلَّق الوجوب محل الوجوب. كمن نقول: الصلاة واجبة، الزكاة واجبة. هنا ما الذي يجب؟ يجب تعلم يعني تحصيل وطلب العلم.
إذًا العلم واجب، وقد يكون العلم مستحبًا، إذا أُطْلِقَ العلم في مقام الحديث عن الشرع وما يترتب على الشرع فحينئذٍ يراد بالعلم العلم الشرعي، لأن العلم من حيث محله إما أن يكون شرعيًا، وإما أن يكون غيرَ شرعي، يعني إما أن يكون علمًا أُخرويًا، وإما أن يكون علمًا دنيويًا بحتًا، فإذا أطلقت النصوص وما رتب عليه من ثواب ومدح لأهله فالمراد به العلم الشرعي، وهو معرفة الهدى بالدليل كما قال ابن القيم رحمه الله.