فالرسالة مختصرة بأسلوب واضح بيَّن، يهتم بذكر المسألة مقرونة بدليلها، وهذا يؤكد فيه رحمه الله أن دعوته دعوة سلفية قائمة على الكتاب والسنة وإجماع سلف هذه الأمة.
هذا ما يتعلق بمضمون الكتاب.
الرسالة الأولى
ذكرنا أنها مقدمة تمهيدية، وهي التي عنون لها بقوله: اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل. هذه الرسالة مقدمة تمهيدية حثَّ فيها القارئ والمتعلم والناظر والمعلِّم حثَّ هؤلاء على لزوم الطريق العامِّ الذي تحصل به النجاة في الدنيا والآخرة، لأنَّ المكلف، أو الإنسان من حيث هو إنسان الأصل فيه الخسارة، قال جل وعلا: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1 - 2] يعني لفي خسارة، وفي نقصان، وغبن، وهلاك، وعقوبة، كما قال بعض السلف، {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: 3]، ثم بين طريق النجاة من هذا الخسران في الدنيا والآخرة، وهو من اتصف بجميع هذه الأوصاف الأربعة: الإيمان بالله، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
إذًا مفهوم هذه الرسالة: كأنه يرسل إليك أيها الناظر، وأيها القارئ، أنَّ طريق النجاة العام الذي تحصل به النجاة في الدنيا والآخرة، ومن سلكه فهو الناجي، ومن خالفه وأعرض عنه فهو الخاسر، هو مضمون سورة العصر، ولذلك قال:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لو ما أنزل الله على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم. يعني في بيان المنهاج الصحيح الذي يسير عليه المسلم لينجي نفسه وغيره من مغبة الخسران، أجارنا الله وإياكم من هذا الخسران.
التوحيد والعقيدة هذان اسمان لمسمًّى واحد. يقال التوحيد وهو ما سندرسه إن شاء الله ويسمًّى أيضًا بالعقيدة. ثَمَّ مقدمات لا بد من معرفتها قبل الولوج في هذا الكتاب.
وذكرنا أن الكتاب مختصر، هو من كتب العقيدة المختصرة، والمتون المفيدة المحررة، عُني به كثير من أهل العلم قديمًا وحديثًا، شرحًا، وتحشيةً، ونظمًا، ونحو ذلك، ولذلك يدرسها أول ما يدرسها طالب العلم المبتدئ، وتُعَلَّمُ للعامة على جهة العموم، كل مسلم يجب عليه العلم بمضمون هذه الرسالة، والعمل بمضمون هذه الرسالة، ولذلك كانت رسالة مختصرة؟ لماذا رسالة مختصرة؟ ليستفيد منها ويقرأها القارئ سواء كان عاميًّا جاهلاً فيتعلم أم كان طالب علم، فكل مسلم هو مخاطب بمضمون هذه الرسالة؛ لأن الذي خُلق من أجله في هذه الدنيا هو التوحيد، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فحقيقة وجود الإنسان وسر وجوده في هذه الحياة هو تحقيق العبودية لله جل وعلا. وهذا لا يتميز أو يختص به طالب العلم دون غيره، بل يشمل الكبير والصغير، الحر والعبد، الذكر والأنثى شبالاً كانوا أو صغارًا.
فنقول: العقيدة والتوحيد هذان اسمان لمسمّى واحد وإن افترقا في بعض الأجزاء.