وأما العقيدة من حيث اللفظ فهي مأخوذة من العَقْدِ فَعِيلَة بمعنى مَفْعُول، يأتي فَعِيلَة بمعنى فاعل، ويأتي فَعِيلَة بمعنى مفعول. والعقيدة نقول: مأخوذة من الْعَقْدِ، والمراد من العقد: رَبْطُ الشيءِ، كعقد الحبل، عقدُ الحبل ما المراد به؟ شَدُّ بعضِه ببعض، تقول: عقدتُ الحبل إذا شددت بعضه على بعض، نقيض حلِّه، حل الحبل نقيض عقد الحبل، عقدت الحبل شددت بعضه على بعض، حللت الحبل أي فتحته أو فككته ونحو ذلك.
ومادة عَقَد في اللغة مدارها على اللزوم والتأكيد والاستيثاق، يعني تدور حول هذه المعاني الثلاثة التأكيد واللزوم والاستيثاق، ولذلك جاء في القرآن: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] تعقيد الأيمان إنما يكون بقصد القلب وعزمه، لفظ صَاحَبَهُ قَصْدٌ وعَزْمٌ بخلاف اللغو في الأيمان فإنه لفظ لم يصاحبه قصد ولا عزم. وتقول العرب: اعْتَقَدَ الشيء صلُب واشتد. واعتقدتُ كذا عقدت عليه القلب والضمير.
إذًا المراد بالعقيدة من حيث اللغة: أنه ما يكون فيه إشارة إلى اللزوم والشد والجزم، ولذلك إذا كان مع المعتقِد جزمٌ فهي عقيدة صحيحة إن وافقت الشرع، وإن لم يكن مجزومًا بها فحينئذٍ صارت شكًّا وظنًّا. والمعتقَد الأصل فيه أنه لا يقبل فيه الشك، ولا يقبل فيه الظنّ هذا هو الأصل وخاصة في أصول الإيمان، لذلك جاء {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15]، نفى الريب {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]، {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: 9]، {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45]. ذَمَّ المشركين على الريب، فالأصل في العقيدة أنه لا يصح معها شكٌّ ولا ظنٌّ، وإنما لا بد أن يكون معها جزم واستيثاق ولزوم وتأكيد.
وأما في الشرع: فيجمعها أو ما أشار إليه بحديث جبريل لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، فقال: «الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره».
إذًا العقيدة شرعًا هي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره. وهذه هي أركان الإيمان، وهي أمور غيبية يعني مدارها على الغيب {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] فيشمل أركان الإيمان الستة، فالعقيدة إذًا إذا عرفنا أن مدارها على أركان الإيمان، وأنها أمور غيبية، إذًا تدور حول اعتقاد قضايا معينة.
هل المطلوب من المكلَّف أن يعتقد أيَّ شيء أم أنها قضايا معينة؟
لا شك أنه الثاني لماذا؟ لأن المأمور به أن يعتقد: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره. إذًا عقيدة معينة منصوص عليها في الكتاب والسنة، وليس المطلوب أن يعتقد أيَّ شيء أراده وشاءه، نقول: لا، بل هي ما أخبر الله جل وعلا في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -. هذه هي العقيدة.