وأما التوحيد فهو تَفْعِيْل، مصدر وحَّدَ يُوَحِّدُ توحيدًا، إذا جَعَلَهُ وَاحِدًا، والمراد بالجعل جعل الشيء واحد في قلبك، ليس في الخارج، يعني وإنما الذي يقبل الشركة والتشريك هو ما كان في القلب وليس ما كان في الخارج، وأما في الخارج فليس إلا الحق. وأما في الشرع فهو إفراد الله تعالى بما يختصُّ به من الربوبية، والإلوهية، والأسماء والصفات.
وليس المراد أنَّ كلَّ ما عبد من دون الله على الأرض فهو حق، ليس هذا هو المراد بل هذا باطل، وإنما المراد أن الجعل اعتقاد الوحدانية، وأن الله جل وعلا منفرد بإلوهيته، وربوبيته، وأسمائه، وصفاته، إنما يكون في القلب أنت الذي يقع في قلبك الشرك بأن تشرك بين الله جل وعلا وبين غيره في العبادة أو الإلوهية أو الربوبية أو الأسماء والصفات.
إذًا التوحيد والعقيدة في الأصل هما اسمان، وهما متلازمان، لا توجد العقيدة إلا إذا وجد التوحيد، ولا يوجد التوحيد إلا إذا وجدت العقيدة، إذًا التلازم من حيث الوجود. ولكن ثَمَّ فرقٌ بينهما وذلك أن العقيدة تشمل شرح أركان الإيمان الستة، لأن الذي يُشْرَحُ في باب المعتقد هو الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان بالقدر خيره وشره، والإيمان باليوم الآخر، هذا الذي يشرح، لو نظرنا في الركن الأول وهو الإيمان بالله لوجدنا أنه يبحث عن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بإثبات ذات الربِّ جلَّ وعلا.
ثانيًا: الإيمان بربوبية الله جل وعلا.
الثالث: الإيمان بإلوهية الله جل وعلا.
رابعًا: الإيمان بأسمائه وصفاته.
هذا هو الركن الأول وهو ما يبحث فيه التوحيد بأنواعه الثلاثة. إذًا التوحيد إفراد الله جل وعلا بما يختص به من الربوبية والإلوهية وما له من الأسماء والصفات، هذا داخل في الركن الأول فقط من أركان الإيمان. طيب والإيمان بالملائكة، وبالرسل، والكتب، وبالقضاء والقدر، وباليوم الآخر، نقول: هذا يُبحث فيه في العقيدة ولا يُبحث فيه في التوحيد.
العقيدة تزيد على مباحث التوحيد من حيثية أخرى، وهي أنه يبحث فيها عن مسائل التلقي، من أين نتلقى العقيدة؟ وهذه المسألة مما يخالف فيه أهل السنة والجماعة غيرَهم من أهل الفرق المنحرفة الضالة بأنواعها، لأن مصدر التلقي عند أهل السنة والجماعة هو الوحي فقط، ولا مجال للعقل البتة في إثبات العقيدة، ولذلك نقول: العقيدة توقيفية. ما معنى توقيفية؟