فكم من مستدرج بالنعم وهو لا يشعر، مفتون بثناء الجهال عليه، مغرور بقضاء الله حوائجه، وستره عليه مع معاصيه.
فإذا كملت هذه الثلاثة فيه (النعمة، والثناء عليه، وقضاء حوائجه) عرف حينئذ أن ما كان من نعم الله عليه يجمعه على الله فهو نعمة حقيقة.
وما فرقه عنه، وأخذه منه فهو البلاء في صورة النعمة، والمحنة في صورة المنحة، فليحذر فإنما هو مستدرج كما قال سبحانه: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)} [الأعراف: 182].
ويميز كذلك بين المنّة والحجة، فإن العبد بين منّة من الله عليه، وحجة منّه عليه، ولا ينفك عنهما.
والحكم الديني متضمن لمنّته وحجته كما قال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران: 164].
وكل علم صحبه عمل يرضي الله ورسوله فهو منّة، وإلا فهو حجة.
وكل قوة ظاهرة أو باطنة صحبها تنفيذ لأوامره فهي منّة، وإلا فهي حجة سيسأل عنها.
وكل مال، وكل حال، وكل طاقة صحبها تأثير في نصرة دين الله، والدعوة إليه فهو منّة عليه، وإلا فهو حجة سيسأل عنها.
وكل فراغ اقترن به اشتغال بما يريد الرب من عبده فهو منّة عليه، وإلا فهو حجة سيسأل عنه.
وكل قبول في الناس وتعظيم ومحبة له اتصل به خضوع للرب، وذل له وانكسار، ومعرفة بعيب النفس والعمل، وبذل النصيحة للخلق، فهو منّة، وإلا فهو حجة من الله عليه، سيسأل عنه.
وكل موعظة وتذكير بالرب، اتصل به عبرة ومزيد في العقل، ومعرفة الإيمان فهي منّة، وإلا فهي حجة من الله عليه، سيسأل عنها.