وقال -جل ذكره-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة} (الأنفال: من الآية: 28) فهذه الآيات الكريمة تضيف المال للإنسان إضافة ملكٍ واختصاص، وفي الحديث الشريف: ((لَا يَحِلّ مال مسلم إلا بطيبٍ من نفسه)) فهذا الحديث الشريف يضيف المال للإنسان على وجه الملك له، ومع هذا فإن الملك الحقيقي يبقى لله -تبارك وتعالى- لَأَنَّهُ يستحيل أن يشاركه أحد في ملك شيءٍ من الكون؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَسْتَأْثِرَ لِوَحْدِهِ بِمُلْكِ شَيْءٍ.
ومعنى ذلك أن إضافة الملك للإنسان هي من قبيل الإضافة التي يمكن أن نقول عنها: إضافة مجازية. أو أن نقول بأن الإنسان فيما يملكه هو وكيل فيه عن مالكه الحقيقي. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَخْضَعَ فِيمَا يَمْلُكُهُ إِلَى جَمِيعِ القيود والتنظيمات التي شَرَعَهَا المالك الحقيقي -وهو الله تبارك وتعالى- وأنه لا يجوز للإنسان أبدًا أن يخرج عن هذه القيود؛ فإن خرج عنها كان عاصيًا لأمر الله، واستحق العقاب المقرر في الشرع، وَقَدْ يُنْزَعُ مِنْهُ الملك نهائيًّا أو مؤقتًا -كليًّا أو جزئيًّا- وقد أدرك فقهاؤنا -رَحِمَهُمُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هَذِهِ الْمَعَاني، وأشار بعضهم إليها، وذلك في تفسير الله -جل ذكره-: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه} (الحديد: من الآية: 7) حيث قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى- في تفسيره: وَفِي هَذَا دَلِيلٌ على أن أصل الملك لله سبحانه، وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضي الله. ثم قال -رحمه الله تعالى- وهذا دليل على أن الأموال ليست أموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة النواب والوكلاء؛ فاغتنموا الفرصة فيها قبل أن تُزَالَ عنكم إلى من بعدكم.
خامسًا: استعمال المال في مَرْضَاةِ اللَّهِ تعالى، وكل ما يؤتاه المسلم من مال يجب أن يستعمله في مرضاة الله؛ لتحقيق الغاية التي خُلِقَ من أجلها، وهي عبادة الله