ذلك أمراً مأذوناً به ومباحاً مِن قِبل أفراد المسلمين، ولكن كان يتمّ بأمْر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبتوجيهاته، حتى لا تنقلب الأمور إلى فوضى. والأمثلة على ذلك كثيرة نقتطف منها النماذج التالية:
1 - بعد فتح مكّة المكرّمة، اتّجه -صلى الله عليه وسلم- إلى الأصنام المحيطة بالكعبة المشرّفة وحطّمها بقضيب في يده قائلاً: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:81). ودخل الكعبة المطهّرة وأزال ما فيها من تصاوير، وأرسل فرسان الصحابة -رضوان الله عنهم- لإزالة الأصنام في أنحاء الجزيرة العربية. فأرسل المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- إلى الطائف لهدْم صنم اللات، وكانت صخرة كبيرة بيضاء منقوش عليها، فهدمها وحرّقها. وبعث خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلى نخلة بين مكة والطائف، حيث صنم العزّى الذي كانت قريش تعظِّمه وتقدِّسه من دون الله. أما مناة فكانت بين مكان اسمه القديد بين مكة والمدينة، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علياً -رضي الله عنه- فهدَمها. كما أرسله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن لإزالة ما بها من منكرات. فقد روى مسلم عن أبي الهيّاج، قال: قال لي عليٌّ: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ألاّ تَدَعَ صورةً إلاّ طمَسْتَها، ولا قبراً مُشرفاً إلاّ سَوّيتَه".
ولقد تضمّن تغيير المُنكر وإزالته بالقوّة للأمور المتوقَّع خطرُها، درءاً للمفسدة وغلقاً لأبواب الفتن. ومن ذلك إقدام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على قطع شجرة بيعة الرضوان التي ذكَرها الله في قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (الفتح:18). وقد قطَعها لمّا رأى الناس ينزلون عندها ويتبرّكون بها.