120 - {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ:} أي: ألجئوا من غير اختيارهم، وذلك لعلمهم أنّ ما أتى به موسى عليه السّلام شيء إلهيّ ليس من حيلة الجنّ والإنس بانفراد ولا مشاركة، فإنّ تقليب الأعيان والإيجاد والإفناء من فعل الله تعالى، وإنّما علموا ذلك لتناهيهم في علمهم، (122 ظ) ولو كانوا مبتدئين لتوهّموا أنّه أسحر منهم، ولهذا يحمد التّناهي في كلّ علم ولو كان باطلا [2].
ومن سنّة الله تعالى أن يجعل آيات أنبيائه أشياء تلتبس بالغالب من دعاوى أهل العصر لتكون الحجّة ألزم، فبعث موسى عليه السّلام في عصر التّمويهات، وعيسى عليه السّلام في زمن الطّبّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم في عصر الفصاحة والكهانة.
123 - {قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ:} لمّا رجعت العصا كهيئتها رجع إلى فرعون قدرته، وعاد إلى عادته الخبيثة من الكفر والطّغيان، وأنكر على السّحرة إيمانهم بغير إذنه [3]، يري العامّة أنّهم مسيؤون حيث لم ينظروا إذنه، ويريهم أنّهم كانوا قد واطؤوا موسى عليه السّلام في السّرّ من قبل، وأنّ دعوتهم واحدة [4].
وهدّد السّحرة بقوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [5].
124 - ثمّ أتبعه التّصريح بالوعيد فقال: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ} لعلّهم يخافونه [6]. وإنّما اجترأ على السّحرة لما شاهد من عجزهم، أو لأنّه علم أنّهم لا يسحرونه بعد إيمانهم، أو لأنّه كان يعلم من قبل أنّهم مموّهون.
125 - {قالُوا إِنّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ:} في مجادلتهم فرعون دلالة على أنّ قدرتهم رجعت إليهم فآمنوا اختيارا بعد ما سجدوا اضطرارا. وإنّما علموا أنّهم صائرون إلى الله تعالى لما ألقى الله في قلوبهم من الإلهام.
126 - {وَقالَ الْمَلَأُ:} الأشراف [7] {مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ:} لمّا شاهدوا الآيات ورأوا [1] ينظر: تفسير الطبري 9/ 29، والبحر المحيط 4/ 364. [2] ينظر: التفسير الكبير 14/ 205 - 206. [3] ساقطة من ب، وبعدها في النسخ الثلاث: العام، بدل (العامة). [4] ينظر: مجمع البيان 4/ 332 - 333، والبحر المحيط 4/ 365. [5] ينظر: التبيان في تفسير القرآن 4/ 509، وتفسير القرطبي 7/ 261، والبحر المحيط 4/ 365. [6] ينظر: الكشاف 2/ 141، ومجمع البيان 4/ 333، والتفسير الكبير 14/ 208. [7] ينظر: تفسير غريب القرآن 171.
نام کتاب : درج الدرر في تفسير الآي والسور - ط الفكر نویسنده : الجرجاني، عبد القاهر جلد : 1 صفحه : 689