نام کتاب : انبعاث الإسلام في الأندلس نویسنده : علي المنتصر الكتاني جلد : 1 صفحه : 265
فأريد بيع آلاته حملت إلى إشبيلية". وأهل إشبيلية هم كذلك اليوم يحبون الطرب والغناء، كما أن أهل قرطبة اليوم موسومون بالجد والنفور من اللهو.
وقال الحجاري عن مدينة شريش: "لأهلها همم وظرف في اللباس وإظهار الرفاهية وتخلق بالآداب، ولا تكاد ترى بها إلا عاشقًا ومعشوقًا". وهي كذلك اليوم، إذ تعد نسبة الشباب فيها من بين السكان أعلى نسبة في القطر الإسباني.
ووصف لسان الدين ابن الخطيب أهل غرناطة بأنهم بيض الوجوه، سود الشعور. وهم كذلك اليوم. كما تحدث القدامى عن التنافس القائم بين أهل إشبيلية وجيرانهم أهل طريانة. والحال كذلك اليوم. وبصفة عامة يمكن التعرف على أهل الأندلس بسهولة من بين غيرهم من أهل إسبانيا، لاختلاف سماتهم عن القشتاليين والقطلانيين وغيرهم.
وأهم ظاهرة في الهوية الأندلسية المعاصرة هو موقف أهلها من الإسلام. فبعد طرد سنة 1609 م، ظلت الذاكرة الجماعية الأندلسية تحن إليه وتكره الكاثوليكية التي أجبروا عليها وكل ما له صلة بها. وهذا الشعور هو الذي دفع أهل قرطبة إلى الدفاع عن مسجدها الأعظم عندما أراد ملك قشتالة هدمه لبناء كنيسة قوطية على أنقاضه.
وظهرت كراهية الأندلسيين للكنيسة إبان ثوراتهم الشعبية المتواصلة والحروب الأهلية في القرنين الميلاديين التاسع عشر والعشرين، التي كانوا يطالبون فيها بتحجيم سلطة الكنيسة وتحرير البلاد من هيمنتها، بل ذهب الكثير منهم إلى حرق الأديرة والكنائس وملاحقة الرهبان.
بل حتى التراث الصوفي الأندلسي المتظاهر بالنصرانية بعد سقوط غرناطة وإلى اليوم هو تراث إسلامي. فـ "سان خوان دي لا كروس" المتوفَّى سنة 1591 م في أبدة، والذي أعلن قديسًا من طرف البابا سنة 1726 م، و"دكتورًا للكنيسة" سنة 1926 م، إنما هو في كل أفكاره وأعماله من أتباع الشيخ ابن عباد صوفي رندة، المولود بها سنة 1371 م، والذي هو بدوره من أتباع الشيخ المربي أبي الحسن الشاذلي. وكذلك الوضع بالنسبة للصوفية الأندلسيين المسمين بالمتنورين (آلومبرادوس)، فهم في الحقيقة أتباع للطريقة الشاذلية.
وبعد سنة 1975 م، وحصول إسبانيا على الديموقراطية وفصل سلطة الكنيسة عن الدولة، أظهر الأندلسيون شعورهم الحقيقي بالنفور من الكنائس وهيمنة أية سلطة على ضمائرهم. وقد ظهر في بحث قامت به الكنيسة أن أقل نسب زوار الكنائس من
نام کتاب : انبعاث الإسلام في الأندلس نویسنده : علي المنتصر الكتاني جلد : 1 صفحه : 265