نام کتاب : أنس المسجون وراحة المحزون نویسنده : الحلبي، صفي الدين جلد : 1 صفحه : 201
ولم يفرّق بين عبد الملك الذي عناه جعفر وبينه، وكان من جلالة القدر والتقشّف والامتناع من منادمة الرشيد على أمر جليل، وكان الرّشيد قد اجتهد أن يشرب قدحا معه فلم يقدر ولم يفعل رفعا لسبقه [1].
فلما رأيناه مقبلا، أقبل كلّ واحد منّا ينظر لصاحبه، وكاد جعفر أن ينشقّ غيظا. وفهم الرّجل حالنا، فأقبل نحونا حتّى إذا صار إلى الرّواق الذي نحن فيه نزع قلنسوته فرمى بها مع طيلسانه جانبا، ثم قال: أطعمونا شيئا. فدعا جعفر بالطعام، وهو منتفخ غيظا وغضبا، فطعم ثم دعا برطل فشربه ثم أقبل إلى المجلس الذي نحن فيه، وأخذ بعضادتي الباب [2]، وقال: أشركونا فيما أنتم فيه. فقال له جعفر: ادخل. فدخل، ثم دعا بقميص جديد، وخلوق، فلبس وتخلّق، ثم دعا برطل فشربه ورطل حتّى شرب عدّة أرطال، ثم اندفع فغنّى، فكان والله أحسننا جميعا غناء، فلما طابت نفسه ونفس جعفر وسرّي عنه ما كان به التفت إليه، وقال له: ارفع حوائجك. فقال: ليس هذا موضع حوائج. فقال: لتفعلنّ. ولم يزل يلحّ عليه حتى قال: أمير المؤمنين عليّ واجد، وأريد أن تترضاه. قال: فإنّ أمير المؤمنين قد رضي عنك، فهات حوائجك كما أقول. قال: عليّ دين فادح. قال: هذه أربعة آلاف ألف درهم، فإن أحببت أن تقبضها من مالي السّاعة فاقبضها، فإنّه ما يمنعني إعطاءك إيّاها إلاّ أن قدرك يجلّ أن يصله مثلي، ولكنّي ضامن لك إيّاها من مال أمير المؤمنين غدا، فسل أيضا. قال: أحبّ أن تكلّم أمير المؤمنين بولدي لينوّه باسمه. فقال: قد ولاّه أمير المؤمنين مصر، وزوّجه الغالية ابنته،
4 - أنه يطلب الخلافة، فحبسه ببغداد، ولما مات الرشيد أطلقه الأمين وولاه الشام والجزيرة، فأقام بالرقة إلى أن توفي سنة 196 هـ. كان من أفصح الناس وأخطبهم، له مهابة وجلالة. الأعلام. [1] كذا في الأصل ولعلها: لنفسه وفي الفرج بعد الشدة: ترفعا. [2] عضادتا الباب: الخشبتان المنصوبتان المثبّتتان في الحائط على جانبيه. القاموس المدرسي (عضد).
نام کتاب : أنس المسجون وراحة المحزون نویسنده : الحلبي، صفي الدين جلد : 1 صفحه : 201