(وَهَوَّنَا) على لسان هذا متعلق بقوله: (أَظْهَرَا) (وَأَشْهَرَا) من باب التنازع عند النحاة، وهذا يسمى تضمينا عند العروضيين أن يعلق قافية البيت الأول بصدر البيت الذي بعده، الأصل عند العرب الشعراء أن يستقل كل بيت بمعنى، هذا الأصل وبراعة الشعراء إنما تكمن في هذه الجزئية مع بقية المبادئ، فكل معنى الأصل فيه أن يستقل في الدلالة عليه بيت كامل ولا يتعلق بما قبله ولا بما بعده، إذا علَّق بعض معنى البيت بما بعده هذا نقص معناه أنك ما استطعت أن تأتي أن تسوِّغ الألفاظ وتأتي بمعنى في بيت واحد هذا يسمى بالتضمين، وهو جائز بالإجماع في الأراجيز للعلوم لماذا؟ لأن مرادهم ليس هو الشعر والتفنن مرادهم حصر الألفاظ وضبط المعاني تقريبًا للعلوم بين يدي أصل ما ليس مقصود النظم هنا أن يبتدع بديعيات أو أنه يأتي بالمديح، وإنما المراد أن يقرب لفظ أو ألفاظ الورقات لطالب العلم فحينئذٍ هذا التضمين، نقول: جائز للمولَّدين بالإجماع في الأراجيز أما في البديعيات هذا فيه كلام آخر.
(عَلَى لِسَانِ الشَّافِعِي وَهَوَّنَا) (وَهَوَّنَا) هذا فعل ماضي والألف لإطلاق الروي والفاعل ضمير مستتر يعود إلى الله عز وجل أظهره وأشهره وهونا بمعنى سهله أوجده وأشهره من الشهرة وهونه بمعنى سهله لماذا؟ قال هذا في حق الشافعي؟ (فَهُوَ الَّذِي لَهُ ابْتِدَاءً دَوَّنَا) لماذا خص الشافعي دون غيره؟ الفاء كالتعليل للحكم الثاني كالتعليل للحكم الثاني (فَهُوَ) أي: الله عز وجل (الَّذِي لَهُ) للشافعي (فَهُوَ) عفوًا (فَهُوَ) أي: الشافعي رحمه الله. (الَّذِي لَهُ) لعلم أصول الفقه (دَوَّنَا) ابتداءً دون فعل ماضي وفاعله ضمير مستتر يعود على الشافعي، والمفعول به محذوف يعني: دونه يعود إلى علم أصول الفقه (فَهُوَ الَّذِي لَهُ ابْتِدَاءً) يعني: في ابتداء الأمر بمعنى أن الشافعي رحمه الله هو أول من دون أصول الفقه على جهة الاستقلال، يعني الذي أول من كتب أصول الفقه وجعله في ضمن الكتب هو: الشافعي، فحينئذٍ نقول: علم أصول الفقه من حيث التدوين والتأليف إنما ظهر في آخر القرن الثاني، وهو الذي فيه الإمام الشافعي رحمه الله لأنه توفي عام مائتين وأربعة.
من حيث التدوين والتأليف نشأ علم أصول الفقه على يد الشافعي، وهذا يكاد يكون إجماعًا أن الشافعي هو أول من دونه على جهة الاستقلال، أما من حيث القواعد واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية فهذا نشأ مع نشأة الفقه يعني: مصاحب للفقه، والفقه نشأ مع ظهور الإسلام إذن إذا ورد سؤال فقيل: إذا كان الشافعي رحمه الله هو أول من دون أصول الفقه على جهة الاستقلال، هل معنى هذا من قبل الشافعي من صحابة وكبار التابعين لا يعرفون أصول الفقه؟ نقول: لا، يعرفون أصول الفقه بل هم أئمة في أصول الفقه. لماذا؟ لأن أصول الفقه مبناه على تمام العلم بلغة العرب، والصحابة هم أئمة اللغة وكبار التابعين هم أئمة اللغة، إذن يلزم من ذلك أن يكونوا أئمة في أصول الفقه. إذن لماذا نسب للشافعي؟ نقول: نسب إليه التدوين فقط، أما ما قبله فهو ركيزة وطبيعة وجبلة وسليقة في نفوس كبار الصحابة والتابعين.
أول من ألفه في الكتب ** محمد بن الشافعي المطلب