هذه سنةٌ فعلية، فقد ذكر بعضهم كالقرطبي رحمه الله أن الشعبي والأعمش رويا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكتب أولاً باسمك اللهم باسمك اللهم حتى أُمِرَ أن يكتب بسم الله فكتبها فلما نزل قوله تعالى: {(((((((((اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110]، كتب بسم الله الرحمن فلما نزل قوله سبحانه: {(((((((مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (((} [النمل:30] كتبها. ولذلك قيل: إن أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم هو سليمان عليه السلام، أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم تامةً هو سليمانُ عليه السلام، إذن الأمر الثاني الذي جعل الناظم أن يكتب البسملة في أول مؤلفه هو إتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الفعلية.
ثالثًا: إتباع أو امثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو داوود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». وفي رواية: «فهو أجزم». وفي رواية: «فهو أقطع». وكلها تدل على أنه ناقصٌ قليلُ البركة، ولذلك قالوا: فهو إن تَم حسًّا إلا أنه ناقصٌ من جهة المعنى، يعني في الحسن في الظاهر قد تتم الكتابة لكنه ناقصٌ من جهة النفس فبركته بركة البسملة لم تحصل على هذا الكتاب لعدم بسملة المؤلف في أول الكتاب، هذا أمرٌ ثالث.
رابعًا: نقول: تبركًا بالبسملة، تبركا بالبسملة، بسم الله يعني لم؟ لأن الباء للاستعانة أو للمصاحبة مع التبرك، الباء بسم الله الباء هذه للاستعانة أو نقول: للمصاحبة على وجه التبرك، فحينئذٍ إذا قال الكاتب أو الفاعل العامل بسم الله الرحمن الرحيم معناه أستعينُ وأتبرك بتوفيق الله وإعانته على هذا القول أو الفعل، إذن طلبًا للبركة أن يقول الإنسان في سائر أموره المهمة بسم الله الرحمن الرحيم، لهذه الأمور الأربعة نقول أتى الناظم بالبسملة في أول كتابه، وإلا اشتهر عند أهل العلم أنهم لا يتركون البسملة في مصنفاتهم، لذلك ذكر ابن حجر رحمه الله أنه قال: {وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالتسمية وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالتسمية وكذا معظم كتب الرسائل}.
فحينئذٍ يكون إجماعًا عمليًا بين العلماء، لكن هذا في النثر والرسائل المكتوبة لا إشكال فيه بالإجماع أنه يندب أو جائز والمشهور أنه يستحب، لكن في دواوين الشعر هل تكتب البسملة كما تكتب في النثر؟ نقول: هنا إجماعٌ وخلاف؛ إجماعٌ على أن المنظومات وأراجيز التي هي في سائر العلوم الشرعية أنه يندب افتتاحها بالتسمية التي منها هذا الكتاب وغيره، الأراجيز التي في النحو والصرف والبيان والفقه والحديث الخ هذه بالإجماع أنه يندب ويفتتح بالبسملة الشعر المحرم بالإجماع أنه تحرم التسمية فيه كالهجاء ونحوه والشعر المكروه كالغزل ونحوه تكره افتتاح أو يكره افتتاحه بالتسمية. إذن ماذا بقي؟ المباح، المباح هذا فيه اختلاف على قولين بين السلف: المنع، والجواز.
بعضهم منع، قد ذكر عن الشعبي أنه قال: {أجمعوا ألا يكتبوا أمام الشعر بسم الله الرحمن الرحيم}. وكذلك الدهلي قال: {مضت السنة ألا يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم في الشعر}.